وجهة نظر : عندما تصنـــع الخســـــارة بطـــلاً للمونديــــال

انتهي كأس العالم، و فاز المنتخب الأسباني كما كان متوقعاً من قِبَل المحللين قبل إنطلاق البطولة، لم يسرق الماتادور الفوز في هذه المباراة أو تلك، بل كان تتويجاً مستحقاً لأفضل جيل عرفته الكرة الأسبانية، الجيل الذي يضم تشافي و إنيستا و فيا و توريس و كاسياس و غيرهم لابد أن يكون هو البطل، لابد أن يصنع الفرحة للشعب الأسباني، كان الأبطال عند حسن الظن، و لم يخيبوا الآمال مثل غيرهم، كانوا رجالاً علي قدر المسئولية، بذلوا مجهودات تذكر فتشكر، و استحقوا اللقب الغالي على حساب منتخب الأورانجي في المباراة النهائية التي إمتدت لوقت إضافي، سجل فيه إنيستا –رجل الدقائق الحرجة- أغلى أهداف الماتادور عبر تاريخه

لم يكن منتخب أسبانيا سيئاً في المونديال كما يري البعض، بل أري أن منتخب اسبانيا قد أعطي كل مباراة حقها، و وتعامل مع كل مباراة على "قدر" حجم المنافس،، نعم، لم يقدم منتخب كاسياس مباراة قوية ضد تشيلي و لكنه استحق الفوز، لم يقدم منتخب تشافي أداءً خرافياً أمام الهندوراس و لكنه إستحق الإنتصار، و الصعود لدور الــ 16

تصاعد النسق الفني للأسبان في مباراة الدور ثمن النهائي، و إستطاع الماتادور التأهل على حساب برازيل أوروبا بأحقية و جدارة، البعض راهن –قبل المباراة- على فوز منتخب "الدون" رونالدو الذي قدم مباراة رائعة أمام المنتخب البرازيلي في ثالث لقاءات منتخب البرتغال في المجموعة السابعة، و لكن "فيا" –أحد نجوم المونديال البارزين- كان له رأي آخر، و نجح لاعب البارسا الجديد في تسجيل هدف الفوز ليقود الماتادور للعبور إلي الدور ربع النهائي لملاقاة منتخب أوزيل

تصاعد النسق الفني للماتادور أكثر فأكثر، و قدم المنتخب الأسباني عرضاً قوياً للغاية أمام المانشافت الألماني الذي كان يغني أجمل الأغاني، و يعزف أحلي السيمفونيات، و يفوز بالرباعيات، و لكن نجح خط وسط الماتادور الأسباني بقيادة "المايسترو" تشافي في كبح جماح الفريق الألماني، و كان المنتخب الأسباني الفريق الأفضل طوال المباراة، و إستحق التأهل برأسية قائد دفاعاته "بويول"

ثم قدم الماتادور عرضاً جيداً أمام طواحين هولندا بقيادة الثنائي المتألق هذا الموسم شنايدر و وربين،، نعم، كان الأروانجي الأفضل نسبياً طوال الوقت الأصلي للمباراة، و لكن لعبت اللياقة البدنية دورها في ترجيح كفة الأسبان في الوقت الإضافي، و تدخل ديل بوسكي المدير الفني للماتادور لإعطاء الأفضلية الفنية للأسبان، فأجرى تبديلاً ذكياً للغاية بإقحام سيسك فابريجاس بدلاً من ألونسو المُنهك، فاستلم سيسك راية صناعة اللعب و قيادة خط الوسط من تشافي الذي نال منه التعب بعض الشئ، فصال "فابري" و جال، أضاع هدفاً محققاً و صنع هدف الفوز، هدف الفرحة، هدف التتويج، أري أن فابريجاس هو رجل مباراة النهائي، فلاعب الأرسنال هو من أعطي الأفضلية للأسبان خلال الوقت الإضافي، حيث أضفي كثيراً من النشاط و الحيوية علي وسط الملعب الأسباني، لابد أن نذكر دور بوسكتس الهام في قيامه بالأدوار الدفاعية لوسط الميدان علي أكمل وجه، مما ساعد الثلاثي الموهوب فابريجاس – تشافي – إنيستا علي التركيز بين ظِفريْن علي أداء الأدوار الهجومية كما يجب

سبحان الله!، عسي أن تكرهوا شيئاً و هو خير لكم أيها الأسبان!، اتفقت مع زميلي أحمد عطا عندما كتب في مقالته عقب خسارة المباراة الإفتتاحية أمام منتخب سويسرا أنها أفضل ما يمكن أن يحدث لها، وبالفعل جعلت من الماتادور بطلاً لأول مونديال تحتضنه القارة السمراء،، نعم، هذه الخسارة جعلت لاعبي أسبانيا يستفيقون و يدركون جيداً أنهم في مهمة شاقة، و أن طريقهم لمعانقة الكأس الذهبية لن يكون مفروشاً بالوورد، بل سيجدون الكثير من العقبات و "المطبّات" في سبيل الوصول للنهائي و تحقيق الأماني

كما أدرك ديل بوسكي من خلال هذه الخسارة أمراً غاية في الأهمية، هو أنك من الممكن أن تستحوذ علي الكرة طوال المباراة و لكن دون فائدة، و من هجمة مرتدة منظمة للمنافس تسفر عن هدف، تجد نفسك خاسراً للقاء، رغم أنك كنت الأفضل،، و لكن، الأفضل هو من يُسيّر اللقاء لتحقيق أهدافه، و ليس من يستحوذ علي الكرة لأكبر وقت ممكن، فهناك ما يُسمى بــ "الإستحواذ السلبي"

لم يقدم بطل أوروبا ما كنا ننتظره، فقد كنا ننتظر "دريم تيم" ، كنا نأمل في عروض قوية و إنتصارات بالسداسيات و السباعيات، و لكن لنكن واقعيين، إنها كأس العالم، البطولة الأقوي علي الإطلاق، لابد فيها من واقعية، لابد فيها من إتزان فني، ليس شرطاً أن تقدم عرضاً قوية لتفوز، فمنتخب مثل منتخب ألمانيا قدم عروضاً قوية للغاية، و فاز بالرباعيات علي منتخبات قوية مثل منتخب إنجلترا و التانجو الأرجنتيني،، و لكن، خسر منتخب كلوزه أمام الماتادور "الواقعي"